القرآن
(بالتحويل من القرآن الكريم)
| جزء من سلسلة حول
|
| القرآن الكريم |
|---|
ويعود الفضل في توحيد اللّغة العربیة إلى نزول القرآن الكريم، حيث لم تکن موّحَدة قبل هذا العهد رغم أنها كانت ذات غنیً ومرونة،إلى أن نزل القرآن وتحدى الجموع ببیانه، وأعطی اللغة العربية سیلاً من حسن السبك وعذوبة السَّجْعِ، ومن البلاغة والبيان ما عجز عنه بلغاء العرب،وقد وحد القرآن الكريم اللغة العربیة توحیداً کاملاً وحفظها من التلاشي والانقراض،كما حدث مع العديد من اللغات السّامية الأخرى، التي أضحت لغات بائدة واندثرت مع الزمن أو لغات طالها الضعف والانحطاط، وبالتالي عدم القدرة على مسايرة التغييرات والتجاذبات التي تعرفها الحضارة وشعوب العالم القديم والحديث.
ويحتوي القرآن على 114 سورة تصنف إلى مكّية ومدنية وفقاً لمكان وزمان نزول الوحي بها.ويؤمن المسلمون أن القرآن أنزله الله على لسان الملاك جبريل إلى النبي محمد على مدى 23 سنة تقريباً، بعد أن بلغ النبي محمد سن الأربعين، وحتى وفاته عام 11 هـ/632م. كما يؤمن المسلمون بأن القرآن حُفظ بدقة، على يد الصحابة، بعد أن نزل الوحي على النبي محمد فحفظه وقرأه على صحابته، وأن آياته محكمات مفصلات وأنه يخاطب الأجيال كافة في كل القرون، ويتضمن كل المناسبات ويحيط بكل الأحوال.
بعد وفاة النبي محمد، جُمع القرآن في مصحف واحد بأمر من الخليفة الأول أبو بكر الصديق وفقاً لاقتراح من الصحابي عمر بن الخطاب. وبعد وفاة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ظلت تلك النسخة محفوظة لدى أم المؤمنين حفصة بنت عمر، إلى أن رأى الخليفة الثالث عثمان اختلاف المسلمين في القراءات لاختلاف لهجاتهم، فسأل حفصة بأن تسمح له باستخدام المصحف الذي بحوزتها والمكتوب بلهجة قريش لتكون اللهجة القياسية، وأمر عثمان بنسخ عدة نسخ من المصحف لتوحيد القراءة، وأمر بإعدام ما يخالف ذلك المصحف، وأمر بتوزيع تلك النسخ على الأمصار واحتفظ لنفسه بنسخة منه. تعرف هذه النسخ إلى الآن بالمصحف العثماني.لذا فيؤكد معظم العلماء أن النسخ الحالية للقرآن تحتوي على نفس النص المنسوخ من النسخة الأصلية التي جمعها أبو بكر.
يؤمن المسلمون أن القرآن معجزة النبي محمد للعالمين، وأن آياته تتحدى العالمين بأن يأتوا بمثله أو بسورة مثله، كما يعتبرونه دليلاً على نبوته، وتتويجاً لسلسلة من الرسالات السماوية التي بدأت، وفقاً لعقيدة المسلمين، مع صحف آدم مروراً بصحف إبراهيم، وتوراة موسى، وزبور داود، وصولاً إلى إنجيل عيسى.
أصل الكلمة ومعناها
المصحف.
مطلع سورة يونس يسمي القرآن بـ"الكتاب الحكيم".
- المجموعة الأولى؛ وهي طائفة من الأسماء التي تشير إلى ذات الكتاب وحقيقته، وهي الأسماء التالية: الكتاب
تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
، القرآن
إِنَّ
هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ
الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا
كَبِيرًا
، كلام الله
وَإِنْ
أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ
كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ
لَا يَعْلَمُونَ
، الروح
وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا
الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ
مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ
التنزيل
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الأمر
ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا
القول
وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
الوحي
قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ

- المجموعة الثانية؛ وهي الطائفة التي تشير إلى صفات القرآن الذاتية، وذلك كالأسماء التالية: الكريم
إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ
، المجيد
بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ
، العزيز
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ
الحكيم والعليّ
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ
، الصدق
وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
، الحق
إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
، المُبارك
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ
، العَجَبُ
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا
، الْعِلْمِ
وَلَن
تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ
قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم
بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ
وَلاَ نَصِيرٍ
. - المجموعة الثالثة؛ وهي الطائفة التي تشير إلى صفات القرآن التأثيرية، التي تشير إلى علاقة القرآن بالناس، وهي الأسماء التالية: الهدى
ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
، الرحمة
هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ
، الذِكر
وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ
، الموعظة والبيان
هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ
، الشفاء
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا
، التذكرة
كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ
، الْمُبِينِ
تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
البلاغ
إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ
، البشير والنذير
بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ
، البصائر
هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
، النور
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا
، الفرقان
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا
.
هذا في اللغة، وأما تعريف القرآن اصطلاحًا فقد تعددت آراء العلماء فيه وذلك بسبب تعدد الزوايا التي ينظر العلماء منها إلى القرآن، فقيل: «القرآن هو كلام الله العزيز والنص الإلهي المنَّزل بواسطة الوحي على رسول الإسلام وخاتم النبيين محمد بن عبد الله بلغة العرب ولهجة قريش، المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته المعجز ولو بسورة منه، وهو المعجزة الإلهية الخالدة التي زوَّد الله تعالى بها رسوله المصطفى وهو الميراث الإلهي العظيم والمصدر الأول للعقيدة والشريعة الإسلاميتين».[63][64][65] وبعضهم يزيد على هذا التعريف قيودًا أخرى مثل: «المعجز أو المتحدي بأقصر سورة منه أو المتعبد بتلاوته أو الاسم لمجموع ما هو موجود بين دفتي المصحف أو المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس». والواقع أن التعريف الأول تعريف جامع مانع لا يحتاج إلى زيادة قيد آخر، وكل من زاد عليه قيدًا أو قيودًا لا يقصد بذلك إلا زيادة الإيضاح بذكر بعض خصائص القرآن التي يتميز بها عما عداه.
كما يسمى القرآن أيضا القرآن المجيد ويصفه المسلمون بعبارة "المحفوظ في الصدور والسطور"،
أهمية القرآن في الإسلام وعند المسلمين
سورة الکوثر بخط النسخ.
جزء من الآية 60 إلى 61 وجزء من الآية 61 من سورة المائدة بالخط الكوفي الشرقي؛ إحدى مخطوطات صنعاء.
مسلم فلسطيني يقرأ القرآن الكريم داخل المصلى القبلي في المسجد الأقصى المبارك بالقدس.
|
|
فالقرآن الكريم هو الكتاب الخالد لهذه الأمة، ودستورها الشامل، وحاديها الهادي، وقائدها الأمين، كما أنه الكتاب الخالد للدعوة الإسلامية، ودليلها في الحركة في كل حين، وله أهمية كبيرة في حياة الفرد والأسرة والمجتمع والأمة؛ فهو يعالج بناء هذا الإنسان نفسه، بناء شخصيته وضميره وعقله وتفكيره، ويشرع من التشريعات ما يحفظ كيان الأسرة تظللها السكينة وتحفها المودة والرحمة، كما يعالج بناء المجتمع الإنساني الذي يسمح لهذا الإنسان بأن يحسن استخدام الطاقات الكامنة في المجتمع، وينشد الأمة القوية المتماسكة الشاهدة على العالمين. |
|
فالقرآن ينص على أحكام العقائد، وفيه أحكام العبادات مثل الصوم والزكاة والحج، وفيه أحكام المعاملات من بيع وشراء وزواج وطلاق وميراث، كما أن فيه أحكام الأخلاق والآداب. وقد قام عدد من العلماء الكبار بتأليف كتب كثيرة عبر الزمن تُسمى "أحكام القرآن" جمعوا فيها الآيات القرآنية المتعلقة بالأحكام الفقهية وما استنبطه منها أهل العلم من أحكام العبادات والمعاملات، وذلك تسيهلاً على الناس في الرجوع إليها. ويؤمن المسلمون أن القرآن تضمن كل ما جاء في الكتب السماوية السابقة مما يحتاج إليه الناس لهدايتهم وتنظيم أمور معاشهم، ومن الآيات التي يستدلون بها على ذلك، ما ورد في سورة المائدة:
سورة الناس، إحدى أبرز السور التي يؤمن المسلمون بأن لقراءتها فضل كبير وحماية من وسوسة الشيطان وشرّه.
التاريخ
تنزيلات القرآن
- نزل القرآن أولاً من الله إلى اللوح المحفوظ :
ويقصد بهذا النزول ليس نزول علوٍّ وسفل بل يقصد به إثباته في اللوح
المحفوظ واعتماده غير قابل للتغيير وحكمة هذا النزول ترجع إلى الحكمة من
وجود اللوح نفسه، فإنه السجل الجامع لما كان وما سيكون إلى يوم القيامة. ذكر العلماء الدليل على هذا النزول من القرآن
بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ
[ah] - نزل من اللوح المحفوظ إلى مكان يسمى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر: ودليله من القرآن
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ
وفي سورة القدر
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
ومن الأحاديث عن ابن عباس أنه قال: "فُصِّلَ القرآن من الذكر"-يعني اللوح المحفوظ- فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزل به على النبي ". وقد نقل أبو شامة المقدسي في كتابة المرشد والوجيز عن هذا النزول فقال:«وقال جماعة من العلماء: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة من اللوح المحفوظ إلى بيت يقال له بيت العزة، فحفظه جبريل
وغشي على أهل السموات من هيبة كلام الله، فمر بهم جبريل وقد أفاقوا فقالوا:
وَلَا
تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا
فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ
. الحق يعني القرآن فأتى به جبريل إلى بيت العزة فأملاه جبريل على السفرة الكتبة، يعني الملائكة وهو قوله سبحانه وتعالى:
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ
"نقلته من كتاب "شفاء القلوب" وهو تفسير علي بن سهل النيسابوري"». - ومن بيت العزة نزل به جبريل
على قلب الرسول محمد منجَّمًا أي "مُفرَّقًا" في نحو ثلاث وعشرين سنة على
حسب الوقائع والأحداث، ومقتضيات الأحوال: ودليل ذلك من القرآن
قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ
وهو الكتاب الوحيد من الكتب السماوية الذي نزل منجماً بدليل
وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً
وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا
وقد أستنبط العلماء الحكمة من نزول القرآن بشكل متفرّق خلاف بقية الكتب السماوية وذكروا له عدة حكم منها:
- تثبيت قلب النبي محمد لمواجهة ما يلاقيه من قومه، كما ورد في سورة الفرقان:
وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً
وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا
، ففي قول "ورتلناه ترتيلاً" إشارة إلى أن تنزيله شيئًا فشيئًا ليتيسر الحفظ والفهم والعمل بمقتضاه. - الرد على الشبهات التي يختلقها المشركون ودحض حججهم أولاً بأول:
وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا
. - تيسير حفظه وفهمه على النبي محمد وعلى أصحابه.
- التدرج بالصحابة والأمة آنذاك في تطبيق أحكام القرآن، فليس من السهل على الإنسان التخلي عما اعتاده من عادات وتقاليد مخالفة للقيم والعادات الإسلامية مثل شرب الخمر.
- كان ينزل حسب الحاجة أي ينزل ليرد على أسئلة السائلين.
- تثبيت قلب النبي محمد لمواجهة ما يلاقيه من قومه، كما ورد في سورة الفرقان:
أول ما نزل من القرآن وآخره
مقالة مفصلة: نزول الوحي
غار حراء، حيث يؤمن المسلمون أن وحيًا من الله نزل على محمد هناك.
وبعد تلك الحادثة، فَتَر الوحي عن محمد مدة، قيل أنها ثلاث سنوات وقيل أقلّ من ذلك، ورجّح البوطي ما رواه البيهقي من أن المدة كانت ستةَ أشهر، حتى انتهت بنزول أوائل سورة المدثر. ثم بدأ الوحي ينزل ويتتابع مدة ثلاثة وعشرين عامًا حتى وفاته. فكان أول ما نزل من القرآن بعد أول سورة العلق، أوّل سورة القلم، والمدثر والمزمل والضحى والليل. وقد اختلف العلماء في تحديد أوّل ما نزل من القرآن كون سورة المدثر نزلت بكمالها قبل نزول تمام سورة العلق، التي نزل منها صدرها أولاً، على أن الرأي الأغلب والأرجح هو القائل بأن سورة العلق هي أوّل السور. وعبّر بعض العلماء للتوفيق بين الرأيين بقولهم أن أوّل ما نزل للنبّوة كان صدر سورة القلم، وأوّل ما نزل للرسالة كان سورة المدثر. استمر الوحي ينزل على محمد في مكة طيلة ثلاث عشرة سنة، وبلغ عدد السور التي نزلت هناك ثلاثًا وثمانين سورة، وقيل خمس وثمانون، كانت أولها سورة العلق وآخرها سورة المؤمنون، ويُقال العنكبوت. ولمّا اشتد أذى قريش لمحمد وأتباعه من المسلمين، هاجروا شمالاً إلى مدينة يثرب، التي دُعيت منذ ذلك الحين بالمدينة المنورة، وهناك استمر الوحي ينزل عليه بصورة متتالية. وقد بلغ عدد السور التي نزلت بالمدينة إحدى وثلاثون سورة، وقيل تسع وعشرون، كان أولها سورة المطففين وآخرها سورة التوبة، وفي شرح البخاري لابن حجر اتفقوا على أن سورة البقرة أول سورة نزلت بالمدينة، وفي تفسير النسفي عن الواقدي أن أول سورة نزلت بالمدينة هي سورة القدر.
بعد أن استقر المسلمون في المدينة المنورة، واعتنق أهلها الإسلام دينًا، طلب النبي محمد من بعض صحابته حفظ ما ينزل عليه من القرآن ونشره بين الناس وتعليمهم ما جاء فيه من الشرائع والحكم والفضائل. وكان كثير من الصحابة أميًا، بينما كان في الأوس والخزرج من أهل المدينة عدّة يكتبون بالعربية، والقليل ممن يكتب بالعبرانية التي تعلموها من اليهود. كذلك كان من أسرى الحرب من يكتب، ولا يملك المال ليفدي نفسه، فجعل الرسول فدية من يعرف الكتابة من سبعين أسيرًا في غزوة بدر تعليم كل واحد منهم عشرة من صبيان المدينة الكتابة، وبهذا تعلّم عدد كبير من المهاجرين والأنصار القراءة والكتابة، وقاموا بتدوين ما ينزل على محمد من الوحي، وقد وصف العلماء هؤلاء الأشخاص بكتّاب الوحي. وفقًا لمسند أحمد بن حنبل بسنده عن ابن عباس، أنه عندما كانت السور ذوات العدد تنزل على الرسول، كان يدعو بعض من يكتب عنده، يقول: "ضعوا هذا في السورة الّتي يُذكر فيها كذا وكذا"، وعندما تنزل عليه الآيات يقول: "ضعوا هذه الآيات في السورة الّتي يُذكر فيها كذا وكذا"، فكان الوحي، وفقًا للمصادر الإسلامية، يعين مكان الآيات في السور، ومن الأحاديث التي يُستند إليها في ذلك ما ورد في تفسير الدر المنثور: «أخرج أحمد، عن عثمان بن أبي العاص قال: "كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ جَالِسًا إِذْ شَخَصَ بِبَصَرِهِ ثُمَّ صَوَّبَهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُلْزِقَهُ بِالأَرْضِ قَالَ ثُمَّ شَخَصَ بِبَصَرِهِ فَقَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ
اختلف العلماء حول آخر ما نزل من القرآن على النبي محمد، فقال فريق أن آخر آية نزلت هي آية الربا، وهي:
عهد الجمع
طالع أيضًا: جمع القرآن- مصحف عثمان
- مصحف عائشة
- مصحف علي
- مصحف فاطمة
مخطوطة قرآنية من الورق الرقّي تعود للقرن السابع الميلادي، مكتوبة بالخط الحجازي.
أبرز الروايات التي تتحدث عن جمع القرآن في مصحف واحد لأول مرة خلال عهد أبي بكر الصديق، هي تلك التي تفيد أنه بعد غزوة اليمامة، التي قتل فيها الكثير من الصحابة وكان معظمهم من حُفاظ القرآن، جاء عمر بن الخطاب إلى أبو بكر وطلب منه أن يجمع القرآن في مكان واحد حتى لا يضيع بعد وفاة الحُفاظ. فكلّف أبو بكر الصحابي زيد بن ثابت لما رأى فيه من الصفات التي تؤهله لمثل هذه الوظيفة ومنها كونه من حفاظ القرآن ومن كُتّابه على عهد النبي محمد، وقد شهد زيد مع النبي العرضة الأخيرة للقرآن في ختام حياته. ثم إن زيدًا قد عُرف بذكائه وشدة ورعه وأمانته وكمال خلقه. ثم بدأ زيد بجمع القرآن من الرقاع واللخاف والعظام والجلود وصدور الرجال، وأشرف عليه وأعانه في ذلك أبو بكر وعمر وكبار الصحابة. واتبع الصحابة طريقة دقيقة وضعها أبو بكر وعمر لحفظ القرآن من الخطأ، فلم يكتف الصحابة بما حفظوه في قلوبهم ولا بما سمعوا بآذانهم ولا بما كتبوه بأيديهم بل جعلوا يتتبعون القرآن واعتمدوا في جمعه على مصدرين اثنين أحدهما ما كتب بين يدي النبي محمد والثاني ما كان محفوظًا في صدور الرجال. وبلغت مبالغتهم في الحيطة والحذر أنهم لم يقبلوا شيءًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدي الرسول. واستمر زيد يجمع القرآن حتى وجد آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، وعندها حُفظت الصحف التي كُتب عليها القرآن عند أبو بكر حتى توفي، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر بعد مقتل الأخير. واتفق العلماء أن الصحابة كان لديهم مصاحف كتبوا فيها القرآن أو بعضه، قبل جمع أبي بكر لها، إلا أن هذه المصاحف كانت جهودًا فردية لم تنل ما ناله مصحف الصدّيق من دقة البحث والتحري وبلوغه حد التواتر والإجماع من الصحابة.
مصحف عثمان أو المصحف الإمام، أقدم المصاحف الباقية.
نسخة أندلسية من القرآن تعود للقرن الثاني عشر الميلادي.
النص القرآني
يتميز النص القرآني عن النصوص النثرية والشعرية، بأنه لا يتكوّن من مقدمة ولا صلب موضوع ولا خاتمة، عوضًا عن ذلك فإن بنيته اللاخطية هي أقرب ما يكون إلى شبكة متفرعة من المواضيع. فلم تأتي السور والقصص الواردة في القرآن بشكل متتابع أو متمم لما سبقها. اجتهد الصحابة والتابعين ومن روى عنهم من العلماء في تقسيم القرآن إلى 30 وردًا يوميًّا، ومرجع ذلك أن يختم أحدهم القرآن في رمضان مرة واحدة على الأقل، وهذا التقسيم اجتهادي وغير توقيفي والعمل به مستحب ومنتدب عند المسلمين، ومن ثم قسم الجزء إلى حزبين والحزب إلى أثمان وأرباع وفي التفصيل فيها اختلافات سببها الاجتهاد ولا تتجاوز الآية والآيتين والثلاث في الغالب.أجزاء القرآن الثلاثون
| 1. البسملة أو " الحمد لله " الفاتحة | 2. جزء " سيقول السفهاء " البقرة | 3. جزء " تلك الرسل " البقرة | 4. جزء " لن تنالوا البر " / " كل الطعام " آل عمران | 5. جزء " والمحصنات " النساء | 6. جزء " لا يحب الله " النساء |
| 7. جزء " لتجدن " / " وإذا سمعوا " المائدة | 8. جزء " ولو أننا نزلنا " الأنعام | 9. جزء " قال الملأ " الأعراف | 10. جزء " واعلموا " الأنفال | 11. جزء " يعتذرون " التوبة | 12. جزء " وما من دابة " هود |
| 13. جزء " وما أبرئ نفسي " يوسف | 14. جزء " الـر " الحجر | 15. جزء " سبحان " الإسراء | 16. جزء " قال ألم " / " أما السفينة " الكهف | 17. جزء " اقترب للناس " الأنبياء | 18. جزء " قد أفلح " المؤمنون |
| 19. جزء " وقال الذين لا يرجون " الفرقان | 20. جزء " فما كان جواب قومه " النمل | 21. جزء " ولا تجادلوا " العنكبوت | 22. جزء " ومن يقنت " الأحزاب | 23. جزء " وما أنزلنا " يـس | 24. جزء " فمن أظلم " الزمر |
| 25. جزء " إليه يرد " فصلت | 26. جزء " حـم " الأحقاف | 27. جزء " قال فما خطبكم " الذاريات | 28. جزء " قد سمع " المجادلة | 29. جزء " تبارك " المـلك | 30. جزء " عمّ " النبأ |
السور والآيات
سورة الفاتحة، أوّل السور المُدرجة في المصحف، على الرغم من أنها الخامسة تنزيلاً.[122]
الآيات الأربعة الأولى من سورة العلق، أو السورة رقم 96 من المصحف، على الرغم من أنها أوّل ما أُُنزل من القرآن.
سورة البقرة، أكثر سور القرآن آياتًا (286 آية).
كلمات القرآن وحروفه وأعداده
إدّعى عالم مصري مختص بالكيمياء الحيوية ويُدعى رشاد خليفة، في عام 1974، أنه اكتشف صيغة رياضية مبنية على رقم 19 المذكور صراحةً في سورة المدثر:
الأحكام والإعجاز والقصص
طالع أيضًا: الإعجاز العلمي في القرآن
أيقونة بيزنطية تُظهر استسلام كسرى الثاني شاه فارس للإمبراطور البيزنطي هرقل، في إشارة رمزية إلى انهزام الفرس أمام الروم. يؤمن المسلمون أن القرآن تنبأ بتلك الهزيمة قبل سنوات من وقوعها.
بالإضافة إلى الأحكام والدلائل العلمية وفق بعض العلماء، وردت في القرآن أغلب قصص الأنبياء والصالحين الذين سبقوا محمدًا، والذين ذكروا في الكتاب المقدس، وبخاصة في التوراة منه، ويُلاحظ أن هذه القصص يتطابق أغلبها مع ما جاء في الكتاب المقدس، ومن أبرزها: خلق آدم وحواء، قابيل وهابيل، إبراهيم، يوسف، موسى وفرعون وخروج بني إسرائيل من مصر، داود وسليمان ومملكة سبأ، أهل الكهف، ولادة المسيح المنتظر من مريم العذراء بأمر من الله، وغير ذلك من القصص.
الهيكلية الأدبية
يقول ريتشارد گوثيل وسيگموند فرانكل من الموسوعة اليهودية، أن أقدم أجزاء القرآن تعكس ما يُمكن وصفه بالإثارة أو الانفعال الواضح في أسلوبها، وذلك عبر جمل قصيرة غير مترابطة وانتقالات مفاجئة من موضوع لآخر، غير أن القرآن يبقى محافظًا على تماسكه وقافيته في كل منها. وأن بعض الأجزاء المتأخرة تُحافظ على هذا النمط، ولكن يظهر فيها أيضًا نمط أكثر سكونًا وأسلوب أكثر إيضاحًا.[149]
ينقل مايكل سلز، أستاذ التاريخ والأدب الإسلامي في كلية الدراسات اللاهوتية في جامعة شيكاغو، عن الفيلسوف نورمان براون، أن التعابير الأدبية "غير المنظمة" في النص القرآني، وأسلوب تركيبه "المبعثر والمجزء"، هو في واقع الأمر وسيلة أدبية تهدف إلى إحداث "آثار عميقة في النفوس، وكأن قوّة الرسالة النبوية كانت تهشّم اللغة الإنسانية التي تخاطب البشر بها". كما ويؤكد سلز أن "التكرار" الكثير في عدّة مواضع من القرآن، هو أيضًا أداة أدبية.[150][151]
العلوم القرآنيّة
مقالة مفصلة: علوم القرآن
علم نزول القرآن
يهتم هذا العلم بمكان نزول آيات القرآن وحالة نزولها وترتيبها وجهاتها قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري: «من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته وترتيب ما نزل». وينقسم إلى خمسة وعشرون قسمًا هي:
|
|
علم التفسير
مقالة مفصلة: علم التفسير
يُقسم علم التفسير إلى قسمين: التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، أما التفسير بالمأثور فهو ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته وما نقل بالرواية الصحيحة عن النبي محمد وعن الصحابة وعن التابعين، من كل ما هو بيان وتوضيح لنصوص القرآن،[160] وأما التفسير بالرأي فهو تفسير القرآن بالاجتهاد بعد معرفة المفسر لكلام العرب ومناحيهم في القول، ومعرفته للأَلفاظ العربية ووجوه دلالتها، واستعانته في ذلك بالشعر الجاهلي ووقوفه على أسباب النزول، ومعرفته بالناسخ والمنسوخ من آيات القرآن، وغير ذلك من الأدوات التي يحتاج إليها المفسر، وهذا النوع الأخير يُقسم بدوره إلى تفسير بالرأي المحمود وتفسير بالرأي المذموم.[160] كتب العديد من المفسرين مصنفات في تفسير القرآن منهم: الطبري والترمذي وابن كثير، والزمخشري، ومحمد حسين الطباطبائي.
علم التأويل
مقالة مفصلة: علم التأويل
المحكم والمتشابه
المحكم في اللغة يُقصد به إحكام الكلام، أي إتقانه وتمييز الصدق فيه من الكذب، وفي الاصطلاح قال بعض العلماء: أنه ما عُرِفَ المراد منه؛ وقال آخرون: هو ما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا؛ وعرَّفه قوم بأنه: ما استقلَّ بنفسه، ولم يحتج إلى بيان. ويمكن إرجاع هذه التعريفات إلى معنى واحد، هو معنى البيان والوضوح. والمتشابه يُقصد به لغةً تشابه الكلام تماثله وتناسبه، بحيث يصدِّق بعضه بعضًا، أما اصطلاحًا فعرّفه بعضهم بأنه: ما استأثر الله بعلمه، وعرفه آخرون بأنه: ما احتمل أكثر من وجه، وقال قوم: ما احتاج إلى بيان، بردِّه إلى غيره. وبناءً على ذلك يتبين أنه لا تنافي بين المحكم والمتشابه من جهة المعنى اللغوي؛ فالقرآن كله محكم، بمعنى أنه متقن غاية الإتقان، وهو كذلك متماثل ومتشابه، بمعنى أنه يصدِّق بعضه بعضًا، أما من جهة الاصطلاح، فالمحكم ما عُرف المقصود منه، والمتشابه ما غَمُض المقصود منه. فالمتشابهة عند أهل السنة هي الآيات التي لا يُقصد ظواهرها، ومعناها الحقيقي لا يعلمها إلا الله، وعند الشيعة فإن من يعلم تأويلها الحقيقي هو النبي محمد وأهل بيته أيضًا. ويُقسم المتشابه إلى أنواع، فهناك متشابه من جهة اللفظ، وهناك متشابه من جهة المعنى، وهناك متشابه من جهة اللفظ والمعنى معًا. أما المتشابه من جهة اللفظ فهو الذي أصابه الغموض بسبب اللفظ، ويمكن إرجاع ذلك إلى الألفاظ المفردة ذات الغرابة، وإلى جملة الكلام وتركيبه، من بسط واختصار ونظم. والمتشابه من جهة المعنى هو ما يُمثَّل له بأوصاف لأحداث وأشياء ما رأتها عين أو سمعتها أذن أو أدركها بشر، مثل أحوال وأهوال القيامة.والسبب في وقوع التشابه في القرآن هو الحاجة إلى بيان معانٍ، راقية تتضمن في ما تتضمن حديثًا عن الذات الإلهية صفاتًا وأفعالاً وعن أمور غائبة عن أفق العقل عبر عنها في القرآن بالغيب، ولما كان القرآن معتمدًا في بيانه لغة يتداولها الناس في محاوراتهم وإيصال مقاصدهم وهي اللغة العربية التي كانت موضوعة لمعانٍ محسوسة أو ما يقرب منها، فهي لا شك قاصرة عن تبيان تلك المضامين العالية إلا بضروب من المجاز وأنواع الاستعارات والكنايات وأمثال الآيات المتشابهة الأمر الذي يقرب المفاهيم القرآنية في أذهان العامة نتيجة استخدام ألفاظ متداولة بينهم، ولكن يبعدها عن أوهامهم التي لا تلبث أن تذهب بعيدًا عن المقصود (إلى مضامين حسية) المراد بيانه. فعلى سبيل المثال، ما ورد في سورة آل عمران: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾[bd]، إنما يُقصد به المعاملة بالمثل بما ينقض أهداف المنافقين المذكورين، وهم بهذه الحالة من وشى بالمسيح، ويهدم أساس بنيانهم المنهار، فالتعبير بالمكر تعبير مجازي لا يُقصد منه ذلك المعنى الذي ينم عن قبح وسوء، وتسمية فعل الله بالمكر من باب المشاكلة اللفظية التي هي من فنون البديع فهم يدبّرون ويدبّر الله، ولكن مكرهم مكشوف لديهم وأما تدابيره فهي عليهم وسوف تفاجئهم وهم لا يشعرون. ويُقاس على ذلك سائر الآيات التي جاء فيها ذكر الخداع والاستهزاء والسخرية والكيد.
الحرفية والأصولية
يمكن تقسيم الفرق الإسلامية من حيث تفسيرها وفهمها للقرآن إلى فرق حرفية وفرق أصولية. والفرق الحرفية هي تلك التي تفسّر القرآن تفسيرًا حرفيًا، فتقول أن للنص القرآني معنى واحد مباشر واضح ودقيق، بوسع المفسر أن يصل إليه ببساطة دون اجتهاد ولا إعمال عقل، وكأن النص يحمل رسالة واضحة مباشرة صريحة مثل القاعدة العلمية أو اللغة الجبرية. ويذهب الحرفيون إلى أن المؤمن الحق عليه أن يفهم معنى الآيات بلفظها مباشرة دون محاولة للتفسير والاجتهاد. فحينما يقول القرآن "يد الله فوق أيديهم" أو "ثم استوى على العرش"، كل هذه الآيات لا بد أن تؤخذ حرفيًا، وأن يؤمن المرء بأن الله له يد وأنه جلس على كرسي ضخم يقال له العرش. ومن الفرق القائلة بالحرفية: السلفية والظاهرية. والمفسرون الحرفيون يتصورون أنهم في حرفيتهم يمنعون الانحراف والتلاعب بالنص القرآني المقدّس، ولكن علماء آخرين ردوا عليهم بأن التفسير الحرفي يؤدي إلى عكس ما يرمون إليه، إذ إن التفسيرات الحرفية تؤدي إلى التجسد وإلى التشبيه أي أنسنة الإله، ومن ثم تأليه الإنسان، وهذا ما يرفضه العقل وترفضه رسالة الإسلام.أما الأصولية فهي نقيض الحرفية، ويمكن تعريفها بأنها رفض لبعض الممارسات والتفسيرات التي يرى الأصوليون أنها تتنافى مع تعاليم الدين، وهي دعوة إلى إعمال الفكر وممارسة الاجتهاد لتجديد الثوابت والأصول الفكرية والمعرفية للدين، فالأصولية دعوة للعودة إلى أصول الدين الأولى وممارسات واجتهادات الأولين والصالحين والحكماء، ومحاولة تفسيرها تفسيرًا جديدًا، وتوليد معان جديدة منها تتلاءم والزمان والمكان الذين يوجد فيهما المفسر "الأصولي". فالمفسّر الأصولي لا يلجأ إلى التفسير الحرفي، إلا إذا تطلب النص القرآني ذلك، وهو لا يجتزئ من النص مقطعًا ينتزعه من سياقه ثم يفرض عليه المعنى الذي يراه صحيحًًا، بل يُعمل الاجتهاد في تفسير القرآن، والمعنى الذي يصل إليه لا يكون هو نفسه النص القرآني دائمًا، وإنما يتراوح في قربه وبعده عنه. ومن الفرق الإسلامية القائلة بالأصولية: الشيعة والصوفية وأهل السنة غير التابعين للمدرسة السلفية. يُلاحظ أن الآخذين بالتفسير الأصولي للقرآن لا يعتبرون أن المعنى المبطن للآية يُبطل أو يستأصل معناها الظاهر، بل يرون أنه بمثابة "الروح التي تبعث فيها الحياة".
الترجمة
مقالة مفصلة: ترجمة القرآن
"قرآن محمد"، أوّل ترجمة للقرآن من اللغة اللاتينية إلى لغة أوروبية عاميّة، وهي بهذه الحالة: الفرنسية.
صفحة المقدمة من النسخة الألمانية الأولى للقرآن، والتي تعود لسنة 1772.
بعد هذه المرحلة دخل المسلمون ميدان الترجمة إلى اللغات الأوروبية، بعد أن كثر عدد الذين هاجروا منهم إلى الغرب بحثًا عن مورد رزق أو طلبًا للعلم، وانخرطوا مع أهل تلك البلاد وعايشوهم، واتصفت بعض ترجمات المسلمين بالعلمية، وشيء من الموضوعية، وقد بلغت ما يزيد عن 45 ترجمة كاملة سوى ما كان من الترجمات الجزئية. استخدم مترجمو القرآن من مسلمين وغير مسلمين ألفاظًا لغوية قديمةً عفا عليها الزمن لكتابة النص القرآني باللغة الأجنبية المستهدفة، فعلى سبيل المثال، استخدم كل من "أ. يوسف علي" و"م. مرمدوك پيكثال"، وهما من المترجمين المشهورين، صيغة الجمع "ye" والمفرد "thou" بدلاً من الصيغة المعاصرة المألوفة المستخدمة في الإفراد والجمع "you"، وذلك عند النقل من العربية إلى الإنگليزية.
أُفيد في عام 1936 أن القرآن قد تُرجم إلى 102 من اللغات العالمية. وفي سنة 2010 أفادت صحيفة الحرية للأخبار السياسية والاقتصادية (بالإنگليزية: Hürriyet Daily News and Economic Review) أن نسخ القرآن التي عُرضت في معرض طهران للقرآن في دورته الثامنة عشر، كانت بمائة واثنا عشرة لغة مختلفة.
التلاوة
مقالات مفصلة: ترتيل- قارئ القرآن
- تجويد
مُصحف تظهر فيه علامات التجويد، من إدغام وإخفاء وإقلاب وتفخيم وغيرها، بالألوان.
|
|
|
|
| بصوت القارئ الشيخ سعود الشريم، إمام الحرم المكي. |
|
|
مسند مخصص لوضع المصحف وقراءته جلوسًا.
ويقول العلماء باتباع قواعد معينة مُستحبة قبل الشروع في التلاوة، ومنها التوضؤ كي يمس الإنسان القرآن وهو على طهارة، هذا وقد ورد أن النبي محمد كان يتلو القرآن على كل حال إلا أن يكون محدثًا وذلك دليل على جواز التلاوة على غير وضوء، ولكن التلاوة مع الوضوء تبقى أفضل. كما أن تطهير الفم بالسواك مستحب، وترك تناول ما يعطي رائحة خبيثة للفم أمر مستحب أيضًا، ويُستحب استقبال القبلة وإطراق الرأس وعدم التربع أو الاتكاء أو الجلوس على هيئة من هيئات التكبر.
مدارس التلاوة
مقالة مفصلة: القراءات
صفحة أندلسية أو مغربية من القرآن، تعود للقرن الثالث عشر، وتظهر عليها الآية الثالثة والسبعين من سورة الأحزاب.
قسَّم العلماء القراءات القرآنية إلى قسمين رئيسين هما: القراءة الصحيحة، والقراءة الشاذة. أما القراءة الصحيحة فهي القراءة التي توافرت فيها ثلاثة أركان هي:
- أن توافق وجهًا صحيحًا من وجوه اللغة العربية.
- أن توافق القراءة رسم مصحف عثمان بن عفان.
- أن تكون قد نُقلت إلى الوقت الحالي نقلاً متواترًا، أو بسند صحيح مشهور.
ذكر ابن عاشور في تفسيره "التحرير والنتوير" أن القراءات التي يقرأ بها اليوم في العالم الإسلامي هي: قراءة نافع برواية ورش في بعض القطر التونسي، وبعض القطر المصري، وفي جميع القطر الجزائري، وجميع المغرب الأقصى، وما يتبعه من البلاد والسودان. وقراءة عاصم برواية حفص عنه في جميع المشرق، وغالب مصر، والهند، وباكستان، وتركيا، وأفغانستان، كما أفاد أن قراءة أبي عمرو البصري يقرأ بها في السودان أيضًا.
الرسم والتخطيط
سورة الفاتحة وسورة الناس مرسومتان سويًا بخط النستعليق الفارسي.
الآيات 4-13 من سورة هود، بالخط الحجازي المكي.
وكان التابعي أبو الأسود الدؤلي أول من وضع ضوابط اللسان العربي، وقام بتشكيل القرآن بأمر من الخليفة علي بن أبي طالب. وجعل آنئذ علامة الفتحة نقطة فوق الحرف، وعلامة الكسرة نقطة أسفله، وعلامة الضمة نقطة بين أجزاء الحرف، وجعل علامة السكون نقطتين. وبعد موت أبي الأسود الدؤلي بردح من الزمن تابع وسار على منواله بعض العلماء، من بينهم الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي كان أول من صنف كتابًا في رسم نقط الحروف وعلاماتها، وهو أول من وضع الهمزة والتشديد وغيرها من علامات الضبط، ثم دوّن علم النحو ليكون ضابطًا لقراءة القرآن ليقرأ بشكل سليم لا يخل بمعناه. ثم بعد ذلك مر رسم المصحف في طور التجديد والتحسين على مر العصور، وفي نهاية القرن الهجري الثالث، كان الرسم القرآني قد بلغ ذروته من الجودة والحسن والضبط، حتى استقر المصحف على الشكل المعهود اليوم من الخطوط الجميلة وابتكار العلامات المميزة التي تعين على تلاوة القرآن تلاوة واضحة جيدة واتباع قواعد التجويد.
يتّبع مخططوا المصحف 6 قواعد في رسمه، وهي: قاعدة الحذف، وذلك كحذف الألف في "يأيها"، والياء في "باغٍ"، والواو في "فأوا"، وقاعدة الزيادة، وذلك كزيادة الألف في "تفتؤا"، والياء في "بأييد"، والواو في "أولو"، وقاعدة الهمز، وذلك كأن تكتب حال سكونها بحرف حركة ما قبلها "ائذن، اؤتمن"، وقاعدة البدل، وذلك ككتابة الألف واوًا للتفخيم في "الصلوة"، وكتابة النون ألفًا في نون التوكيد المخففة "لنسفعاً"، وهاء التأنيث تاء مفتوحة في نحو "رحمت"، قاعدة الوصل والفصل وذلك كوصل"أن" بحرف "لا"، و"عن"، و"كل" بحرف "ما"، وقاعدة ما فيه قراءتان، فإنه يكتب برسم إحداهما، نحو "يخدعون، غيبت".
وقد ثار الجدال بين العلماء عمّا إذا كان رسم المصحف توقيفي بأمر النبي محمد، ولا تجوز مخالفته، أو اصطلاحي باتفاق بين الكتبة وبين الخليفة الراشد عثمان بن عفان، وتجوز مخالفته، وذهبوا في ذلك مذاهب ثلاثة: المذهب الأول قال أنه توقيفي لا تجوز مخالفته، وذلك مذهب الجمهور، ودليلهم في ذلك إقرار النبي محمد الكتبة على كتابتهم، ثم إجماع الصحابة، ثم إجماع الأئمة من التابعين والمجتهدين عليه، وأدلة أخرى من العقل والنقل. وقال أصحاب المذهب الثاني أنه اصطلاحي فتجوز مخالفته، وحجتهم في ذلك أن الله لم يفرض على الأمة شيءًا في كتابته، ولم يرد في السنة والإجماع ما يوجبه. أما أصحاب المذهب الثالث فقالوا أنه تجب كتابة المصحف للعامة على الاصطلاحات الشائعة عندهم، ويجب في ذات الوقت المحافظة على الرسم العثماني بين الآثار الموروثة عن السلف. والراجح هو ما قاله الجمهور.
الطباعة
نص قرآني منقوش على لوح خشبي قديم.
طبعة حديثة من المصحف صادرة عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
تصدر المصاحف حاليًا مطبوعة بالأساليب الحديثة، ومنها ما يصدر بأحجام كبيرة ومنها ما يصدر صغيرًا يمكن حمله في الجيب، وبعضها يُطبع فيه النص القرآني خالصًا، وبعضها يصدر في كتاب تتخلله هوامش لتفسير المصطلحات الواردة ضمن سياق النص. وفي الدول غير العربية تصدر المصاحف بلغتين، فتحوي صفحة النص الأصلي باللغة العربية، والصفحة المقابلة الترجمة بلغة ذلك البلد، أو في أحيان أخرى تعلو الترجمة النص العربي. كما أن بعض المصاحف تُزخرف من الخارج أو تٌزيّن بشكل آخر، ومن الأمثلة على ذلك: نسخة لمّاعة عثر عليها البريطانيون في مكتبة السلطان فاتح علي خان ٹیپو في الهند سنة 1806، وكان عليها ميداليتين وغطائين نقشت عليهما سورة الفاتحة وبعض الأدعية.
يصعب كثيرًا إدراج كامل النص القرآني بكل ما ورد فيه من نقاط وإشارات وعلامات إنشائية، في رموز شفرية حاسوبية، مثل اليونيكود. يُقدم أرشيف النصوص المقدسة على شبكة الإنترنت ملفات حرة تحوي كامل النص القرآني على شكل صور ونصوص يونيكوديّة وقتيّة. حاول عدد من مصممي البرامج الإلكترونية والشركات المختصة أن يطوروا خطوطًا حاسوبيّة يمكنها أن تُظهر النص القرآني بالرسم العثماني المعهود في المصاحف.
الفرق بين القرآن والحديث القدسي
طالع أيضًا: الحديث القدسي
آراء عن العلاقة مع الكتب اليهودية والمسيحية
من آراء الباحثين ان كثيرة هي نقاط التلاقي والتطابق بين القرآن والتوراة والتناخ أو العهد القديم والعهد الجديد من أناجيل ورؤيا يوحنا على وجه الخصوص وكذلك أبوكريفا، سواءً أكان من ناحية التشريع أم من ناحية رواية الأحداث أو في الأمثلة العامة..[205][206][207] ويرى الباحث فراس السواح، أن "التشابك والتشابه بين الرواية الإنجيلية والرواية القرآنيّة هو شديد، حتى مع اختلاف التعابير والمصطلحات فهي غالبًا ما تخفي اتفاقًا في المضمون".[208]العلاقة مع الأبوكريفا
كتب الأبوكريفا هي كتابات دينيّة مسيحية لها بنية العهد الجديد نفسها من ناحية الأناجيل وأسفار الأعمال ورسائل ورؤى منحولة فيها، غير أنها قد نبذت من قبل الكنيسة الرسميّة بدءًا من مجمع نيقية ولم تُضم إلى المجلّد الرسمي للكتاب المقدس المسيحي وذلك إما لأنها وضعت بزمن طويل بعد الأسفار الرسميّة التي دونت أواخر القرن الأول، أو لأن نسبيتها إلى شخصيات العصر الرسولي مكثت ضعيفة ولم يتبناها أبكار الآباء أو لأنها لم تحظ باهتمام جميع الكنائس أي ظلت محليّة الانتشار سيّما في مصر.[209] ذلك لا يعني أن الكنيسة الرسميّة قد حرّمتها نهائيًا بل أوصت في كثير من الأحيان بقراءتها من قبل العامة لما في ذلك من "تنمية الورع والتقى الديني وحسن الأثر في النفس" لكنها أقرت عدم جواز بناء عقائدها عليها وعدم تلاوتها في الكنيسة وإخفائها وقت الطقوس الدينية ومن هنا جاءت التسميّة أبوكريفا والتي تعني في اللاتينية "مخفيّة" إذ إنها كانت تخفى وتستر وقت الطقوس.[210] استمرّت هذه الكتابات منتشرة قرونًا طويلة واستشهد ببعضها آباء الكنيسة أنفسهم وشكلت بعض موادها جزءًا من التقليد الكنسي،[211] وعند ظهور الإسلام في القرن السابع كانت الكتب الأبوكريفية لا تزال واسعة الانتشار بين أتباع الديانة المسيحية.أما التشابه بينها وبين القرآن، فهو جلي وواضح في مواضع عديدة أبرزها قصة ميلاد مريم ومناجاة أمها لله وتسميتها فهي مشتركة بين إنجيل يعقوب وسورة آل عمران،[212] وكذلك فإن تقديم مريم للهيكل أو المحراب حيث كفلها النبي زكريا - وهو العيد الذي تحتفل به الكنيسة الرسميّة في 2 سبتمبر من كل عام، أي أنه داخل في التقاليد الكنسيّة رغم عدم ورود أي شيء عنه في الأناجيل الرسمية - هي بدورها واحدة في إنجيل يعقوب وسورة آل عمران، وقصة القرعة على كفالة مريم هي واحدة في سورة آل عمران وإنجيل يعقوب وإنجيل توما الإسرائيلي؛ كما أنّ لقب "المسيح ابن مريم" لم يطلق على المسيح في الكتابات الرسميّة غير أنه استعمل في إنجيل الطفولة العربي والقرآن.[213] وأما ميلاد المسيح المنصوص عنه في سورة مريم ومشار إليه في سورة المؤمنون على أنّ المخاض قد جاء مريم تحت جذع النخلة يشابه رواية إنجيل متى المنحول وإن وضعها الكتاب المذكور في طريقة السفر إلى مصر وليس عند الميلاد.[214] وبخصوص اتهام قوم مريم لها بالزنا وكلام ابنها في المهد فشقها الأول مشترك مع إنجيل يعقوب والثاني مع إنجيل الطفولة العربي؛ وبخصوص نفخ المسيح بأشكال طيور طينية فدّبت بها الحياة وطارت ذكرت بدورها في إنجيل توما الإسرائيلي وإنجيل الطفولة العربي. أما نفي صلب يسوع في القرآن فهو مشترك بدوره مع الفكر الغنوصي كما كشفت مخطوطات نجع حمادي سيّما في النص المعنون "أطروحة شيت الكبير" وفي نص غنوصي آخر بعنوان "أعمال يوحنا الحبيب" يظهر يسوع ليوحنا يقول له:[215]
|
|
بالنسبة لهم هناك في الأسفل، أنا مصلوب في أورشليم وأتجرع الخل والمرار وأطعن بالحراب ولكنني لست ذاك المعلّق على الصليب ولم أعان أيًا من تلك الآلام. |
|
العلاقة مع التناخ والعهد الجديد
| نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ —سورة آل عمران، الآية الثالثة |
جميع الأنبياء المذكورين في القرآن ذكروا في التناخ أو العهد القديم كما يسمّى في المسيحية، كما أن الخطوط العامة لرواية الأحداث هو ذاته وإن كان العهد القديم أكثر تفصيلاً في روايته بينما القرآن يميل نحو ذكرٍ مختصر دون الغوص في التفاصيل. هناك بعض القصص المنسوبة للأنبياءأمثال نوح والطوفان ولوط وقومه ويوسف وإخوته وموسى وخروج شعبه ويونس ومكوثه في بطن الحوت وعدد آخر من الروايات، يتعرض لها القرآن بشيء من التفصيل، هي واحدة مع العهد القديم وإن اختلفت بعض تفاصيلها أحيانًا. وهذا التشابه دفع عددًا من الفقهاء والمؤرخين المسلمين إلى العودة للعهد القديم لاستكشاف بعض ما صمت عنه القرآن. أما العهد الجديد لا سيّما الأناجيل التي تروي سيرة يسوع وأعماله ومواعظه فهي بدورها واحدة في خطوطها العامة مع القرآن سواءً من ناحية الميلاد الإعجازي أو من ناحية الأعمال الخارقة التي كان يقوم بها بإذن الله بما فيها إقامة الموتى بإذن الله، مرورًا بمواعظه وتعاليمه وتحليل بعض ما حرمته الشريعة اليهودية وختامًا برفعه إلى السماء وعودته الثانية قبيل يوم القيامة، كما أن عددًا وافرًا من الألقاب القرآنية الموجهة وعلى رأسها "المسيح" و"كلمة الله" هي مشتركة بين النصّين. على أن الخلاف الظاهر يقع في قضيتي نفي صلب المسيح ونفي البنوّة لله؛ أيضًا فإن مريم العذراء قد ذكرت في القرآن أكثر مما ذكرت عليه في الأناجيل الأربعة مجتمعة، وهناك سورة باسمها (سورة مريم).[216] كما أن تفاصيل يوم القيامة وما سيسبقه من زلزلة ونفخ في الصور وظهور الدجال هي متطابقة في تعليم يسوع وتعليم سفر رؤيا يوحنا والرواية الإسلامية للأحداث، مع بعض الاختلافات في التفاصيل، وتفسير الكنيسة لبعض هذه الأحداث بالمعنى المجازي في حين تمسك الإسلام بحرفيتها.[217]
الائتلاف الوثيق بين القرآن والكتاب المقدس بشقيه لا يقتصر فقط على رواية الأحداث، بل يمتد نحو الأحكام والتشريعات غير أن أغلبها لم تعد مطبقة في اليهودية والمسيحية إما بداعي نسخها في مواضع أخرى سيّما في العهد الجديد كتعدد الزوجات أو بداعي كونها شرائع اجتماعية مربوطة بظروفها الخاصة كنجاسة المرأة في طمثها وقوامة الرجل عليها، علمًا أنه باستثناء الشق الأول والذي وصّفته المجامع المتعاقبة، فإن "الشرائع الاجتماعية" كانت مطبقة في المسيحية واليهودية عند ظهور الإسلام ومالت للإهمال في القرون الوسطى والحديثة.
| النص الكتابي | الآيات في القرآن | |
|---|---|---|
| «لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي»سفر الخروج، الإصحاح 20، الآية 3 | «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ»سورة الإسراء، الآية 23 | |
| «لاَ تَصْنَعْ لِنَفْسِكَ آلِهَةً مَسْبُوكَةً»سفر الخروج، الإصحاح 34، الآية 14 | «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ»سورة الحج، الآية 30 | |
| «لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلاً»سفر الخروج، الإصحاح 20، الآية 7 | «وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ»سورة البقرة، الآية 224 | |
| «أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ»سفر الخروج، الإصحاح 20، الآية 12 | «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا»سورة الإسراء، الآية 23 | |
| «لاَ تَقْتُلْ»سفر الخروج، الإصحاح 20، الآية 13 | «وَوَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ»سورة الإسراء، الآية 33 | |
| «لاَ تَزْنِ»سفر الخروج، الإصحاح 20، الآية 14 | « وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً»سورة الإسراء، الآية 32 | |
| «لاَ تَسْرِقْ»سفر الخروج، الإصحاح 20، الآية 15 | «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا»سورة المائدة، الآية 38 | |
| «لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ»سفر الخروج، الإصحاح 20، الآية 16 | «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ»سورة الحج، الآية 30 | |
| «لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِ | بِكَ»سفر الخروج، الإصحاح 20، الآية 17 | «وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ»سورة النساء، الآية 32 |
النقد
أوّل الأشخاص الذين نقدوا القرآن وما جاء فيه كان وثنيو قريش، وقد اعتبروه شعرًا يتلوه محمد وإن ليس له أي مصدر إلهي، وقالوا أنه يصله بإلهام شيطان الشعر، حيث كان العرب يتوهمون أن لكل شاعر شيطانًا من الجن يقول الشعر على لسانه.[218] وقال بعض الأشخاص، مثل النضر بن الحارث أن محمدًا كان ينقل أقوال الفرس من قصص ملوكهم وعقائدهم وخرافاتهم ولم يأخذ من الوحي شيئا.[219]
أيقونة عربية للقديس يوحنا الدمشقي، أوّل من نقد القرآن بشكل رسمي.
|
|
فعندما شهد ذلك الراهب الفاسق سذاجة القوم رأى أن يمنحهم عقيدة وشريعة على غرار مذهب آريوس وغيره من ألوان الكفر والزندقة التي حرم من أجلها فراح يسطر كتابًا هو الذي يسمونه القرآن، وهو شريعة الله ناثرًا فيه كل ما أودع من مروق وعند ذلك أعطى كتابه لتلميذه "مؤمد" وأبلغ أولئك البلهاء أن ذلك الكتاب أُنزل على محمد من السماء حيث كان في حفظ جبريل الملك فصدقوه فيما قال، وبذلك مكّن الراهب لذلك القانون الجديد.[224] |
|

0 تعليقات